Sohad Elkhodary
نزيف العقول العربية.. بقلم: سهاد الخضري

هجرة العقول العربية للخارج أو (نزيف الأدمغة ) كما أطلق عليه البعض واحدة من أهم المشكلات الخطيرة التى تواجه مجتمعاتنا العربية وذلك لمالها من أبعاد سياسية وأقتصادية وأجتماعية .
فبالرغم من وقوف الدول الغربية ضد فكرة هجرة أبناء الدول النامية إليها إلا أنها تتبنى سياسات مخططة لإستقطاب أصحاب الكفاءات والمهارات الخاصة وذلك فى ظل إنخفاض عدد سكان الدول المتقدمة فهم بحاجة لجذب تلك الكفاءات إليها والتى لا تسبب لهم مشاكل أقتصادية أوأجتماعية والتى غالبا ماتكون للدول الصناعية الكبرى كفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
فغالبية المهاجرين تكون من حملة الشهادات العليا وأساتذة الجامعات وحملة الدكتوراة والما جيستير والمتخصصين فى العلوم الدقيقة كالقلب والجراحات الخطيرة وعلماء الذرة والبيولوجين وعلماء الفضاء والمستفيد الأكبر وراء هجرة الكفاءات من جميع دول العالم وخاصة العالم العربى هو إسرائيل .
فبعد ذلك من سيتبقى من العقليات العربية المتميزة بعد هجرة كل هؤلاء الكفاءات حيث يشير تقرير جامعة الدول العربية إلى أن الوطن العربى خسر 200ملياردولار بسبب هجرة الكفاءات العربية للدول الأجنبية.
فالمشكلة لا تتمثل فى الهجرة المؤقتة حيث تعتبر عنصر شراكة بين العرب والعالم ولكن المشكلة فى الهجرة الدائمة لأن أغلب من يهاجروا يفضلون البقاء عن العودة لبلادهم ومن يقرر العودة يكون الإغتيال مصيره المحتم .
كما حدث من قبل حيث الإغتيالات التى تعرض لها الكثير من علمائنا فى الخارج على يد الموساد الإسرائيلى بشكل أو بأخر وعلى سبيل المثال الدكتورة سميرة موسى والتى تم إغتيالها فى الولايات المتحدة الأمريكية وسبقها أستاذها الدكتور مصطفى مشرفة عام1950والدكتور سمير نجيب والذى تم إغتياله عن طريق حادثة مدبرة، والدكتورة سلوى حبيب والتى تم إغتيالها بطريقة بشعة فى قلب منزلها بالقاهرة عقب إعلانها عن بحثها الشهير التغلغل الصهيونى فى أفريقيا حيث تم إغتيالها ذبحا ،والدكتور يحيى المشد وهوالأب الروحى للمشروع النووى العراقى والذى تم إغتياله من قبل الموساد الإسرائيلى فى باريس بغرفته فى أحد الفنادق.
وكذلك الدكتور سعيد السيد البدير الذى تم إغتياله عام 1988 بعد رفضه العروض الإمريكية وتصميمه على العودة لبلاده وهذه نماذج للكثير من العلماء العرب الذين تم إغتيالهم فى الخارج فهذه هى النهاية المأساوية لأى عالم عربى يقرر العودة لبلاده ويرفض بيع أفكاره للغرب لكى يستفاد منها الدول الغربية وعلى رأسهم إسرائيل التى تحاول بكل الطرق جذب علمائنا إليها .
فالهجرة غالبا ماتكون من مصر وسوريا ولبنان والجزائر وفلسطين وخاصة مصر فهجرة العقول المصرية بمثابة النزيف المستمر وأخرها كانت إستقالة 11معيد من كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة عين شمس للعمل بإمريكا.
فقد صدرت دراسة مؤخرا عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى أن هناك844ألف شاب منهم450ألف كفاءةوعبقرية علمية فى كافة المجالات البحثية العلمية وهجرتهم تسبب خسارة مصر لأكثر من 54مليار دولار سنويا وتشير الإحصائيات أن أمريكا تحظى بالجانب الأكبر من الكفاءات والعقول المصرية المهاجرةبنسبة 39% وكندا 13.3% وإسبانيا فى المؤخرة بنسبة 1.5%.
وعن دراسة لمركزالخليج للدراسات الأستراتيجية أن 45% من الطلاب العرب الذين يدرسون فى الخارج لا يعون لبلدانهم مرةأخرى.
أماعن الأسباب التى تؤدى لهجرة الكفاءات العربية للخارج فهى عديدة ولها أكثر من جانب منها السياسى والأقتصادى والأجتماعى.
ومن الأسباب السياسة التى قدتكون من ضمن الدوافع للهجرة ماورد فى تقرير أصدرته منظمة العمل العربية إلى أن الأستبداد السياسى والتدخل الحكومى فى شؤون الجامعات العربية وإنعدام حرية البحث العلمى يعد الدافع الأساسى للهجرة.
بالإضافة لذلك عدم الأستقرار السياسى القائم فى المنطقة العربية وعدم التعاون الفعال فيما بين الدول العربية وبعضها البعض مما ينعكس على الوضع الإقتصادى السائد .
والفساد السياسى المتمثل فى المحاباة لعناصر معينة لتولى المناصب المرموقة فقد أستطاعت فئات معينة تقلد الحكم والوصول للسلطة بما يتماشى وأهدافها الشخصية والتى تبتعد تماما عن العقل والمنطق وضرب حركة المثقفين عرض الحائط.
ومن الأسباب الإجتماعية أن الدول العربية لاتميز فى كثير من الأحيان بين المتميز وغير المتميز مما يشجع على الهجرة بالإضافة لضعف إمكانيات البحث العلمى والتطوير،والإحباط الذى يشعربه كل صاحب كفاءة أو تميزوهو أن يكون المسؤل عن تسير العمل فى الكثير من المراكز البحثية بمجتمعاتنا العربية الكثير منهم أشخاص ذو كفاءات منخفضة وعقليات عافى عليها الزمن فهم يشعرون بالنقص أمام أى شخص ذو عقلية متميزة ويعتبرونه بمثابة عدو لهم لأنه يظهر لهم نقصهم أمام الأخرين فيلجأون للإحباطه بكل الوسائل الممكنة مستخدمين أقذرها.
ومنهم من يسرقون الأبحاث وينسبونها لإنفسهم، وكذلك يجد الكثيرمن الخريجين أنفسهم ضحايا للبطالة نتيجة عدم توافر فرص العمل التى تتناسب مع مستوى تحصيلهم العلمى مما يشعرهم بالأحباط فيكون قرارهم هو الهجرة عندما يشعرون بمدى إهمال الدولة ومؤسساتها المختلفة لمؤهلاتهم العلمية وفى مقابل ذلك يجد هؤلاء إستعانة الدولة بخبراء أجانب لقضايا يتوافر لإبناء البلد نفس الكفاءات اللازمة لأداء المهمة.
فهناك ألاف الأبحاث مخزنة بإدراج مراكز البحث العلمى أوتم إلقاءها فى سلة القمامة منذعشرات السنوات ولم يلتفت إليها أحد المسؤلين بالرغم من إحتواء الكثير منها على حلول لمشاكل كثيرة يعانى منها الوطن العربى والدول الأفريقية بل والعالم أجمع.
لكن لا تجد من يلتفت إليها ولا يشعر بمدى إهميتها فأبسط كلمة من الممكن أن يقولها لك أحد مديرى مراكز الأبحاث والذى عافى الزمن على عقول البعض منهم يافاشل أنت بتألف عمر بحثك ده ما هينجح الدولة مش بتاعة عباقرة سافر للدول التى ستقدر قيمتك وقيمة أختراعاتك.
ومن الأسباب الأقتصادية التى تدفع هؤلاء للهجرة قلة العائد المادى، وعدم توفير الإمكانيات المادية اللازمة لإقامة معاهد البحث العلمى فضعف الإهتمام بالبحث العلمى يعد من أهم العوامل الأساسية لضعف الإستراتيجية العربية فى مواجهة إسرائيل فالإنفاق العربى على البحث العلمى لا يتجاوز02.% من الناتج القومى الإجمالى فى مقابل إسرائيل التى تخصص أكثرمن 4.7% من ناتجها الإجمالى للبحث العلمى والتطوير حيث تدفع كل غالى ورخيص لإستقطاب عقولنا العربية.
أما عن النتائج المترتبة على هجرة الكفاءات العربية للخارج تتمثل فى الحرمان من الأستفادة من خبرات هذه الكفاءات فى مجال التنمية الأقتصادية والأجتماعية والإعتماد على إستيراد الكفاءات من الخارج مما يكلف الدول العربية مبالغ مرتفعة فى سبيل الحصول عليها مرة أخرى
الإحساس بالإحباط لدى الباحث عندما يجد نفسه لا يستطيع تنفيذ ما قام بدراسته لسنوات طويلة بسبب الجهل والإهمال لدى الكثير من الروؤساء فى العمل وشعورهم بالكراهية إتجاه أى شخص يتفوق عليهم.
هجرة الكثير من الكفاءات للخارج تؤدى لعجز حاد فى الكوادر العلمية والفنية اللازمة لدفع عجلة التنمية الإقتصادية والإجتماعية ويصبح هؤلاء الأفراد وكإنهم أبناء تلك البلدان التى سافروا إليها ولم يعدوا أبناء الوطن الذى تربوا فيه ويؤتون إليه بين الحين والأخر حينما تسمح لهم ظروفهم أو بمعنى أصح البلاد التى هاجروا إليها.
فهم يأخذون هؤلاء العلماء بعد إن تحملت بلادهم تكلفة تنشئتهم وتعليمهم ليساهم فى دفع عجلة التنمية والتطويرلبلادهم ويقومون بصناعة الأسلحة والصواريخ النووية التى أول ما يقومون بإستخدامها تكون ضد البلدان العربية التى منحت لهم هذه العقول ويحرمون علينا أن يكون لدنيا أسلحة ندافع بها عن أنفسنا .
فلابد من التصدى لهذه المشكلة بكافة السبل عن طريق وضع هذه المشكلة فى بؤرة أهتمام جامعة الدول العربية ومؤسساتها المختلفة بالتنفيذ الفعلى وليس مجرد إجتماعات لا نخرج منها بفائدة وكلام يتكرر فى كل إجتماع ولا نجد منه شئ ينفذ بالإضافة لتبنى مشروعات عربية مشتركة يدعى إليها هؤلاء العلماء الموجودين بالخارج وإعتبار هذه القضية قضية أمن قومى .
بالإضافة لمضاعفة الأنفاق العربى على البحث العلمى عن معدلاته الحالية ومتابعة كل ماهو جديد ومتطور فى مجال البحث العلمى بتطبيقه فى جميع القطاعات وذلك لسد الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب وإسرائيل وتوجيه جزء من ثروة رجال الأعمال العرب للبحث العلمى كما ينفق الكثيرمنهم أمواله فى ملذات رخيصة لا تعود على المجتمع العربى بفائدة .


رابط المقالة على عرب بوست والدستور العراقية  وكتاب عراقيون من أجل الحرية وأصوات الشمال
0 Responses

إرسال تعليق